فصل: مسألة توفي وترك ابنا خنثى وابن ابن خنثى أيضا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة استلحق ولد ولد فقال هذا ابن ابني وابنه ميت:

قلت فإن استلحق ولد ولد فقال: هذا ابن ابني- وابنه ميت، هل يلحق به إذا كان له وارث معروف، كما يلحق به ابنه لصلبه؛ قال: لا، ولد الولد في هذا بمنزلة الأخ، والعصبة، والمولى، لا يجوز له استلحاقه إذا كان له وارث معروف، مثل ما أخبرتك في الأخ وغيره، وذلك أن ابنه الذي زعم أن هذا ولده لو كان حيا فأنكر أن يكون ابنه، لم يكن للجد أن يستلحقه، ولا يلحق بولده ولدا هو له منكر، ولا يلحق بالجد إلا أن يقر به الأب؛ فلهذا لم يكن للجد أن يستلحق ابن ابنه، كما يستلحق ابنه بصلبه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يجوز للرجل أن يلحق بولده ولدا هو له منكر، وقد قيل: إن الجد إذا استلحق ولد ولده لحق به، لأنه مقر بنسب بنوة لحقت به، حكى ذلك أبو إسحاق التونسي في كتابه، وليس ذلك بصحيح إلا على الوجه الذي نذكره، وذلك أن استلحاق الجد على وجهين، فإن قال: هذا ابن ولدي، أو ولد ابني، لم يصدق؛ وإن قال: أبو هذا ابني، أو والد هذا ابني صدق؛ والأصل في هذا أن الرجل إنما يصدق في إلحاق ولد فراشه، لا في إلحاق ولد فراش غيره، وهذا ما لا ينبغي أن يختلف فيه، وقد مضى في نوازل سحنون ما فيه بيان هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة كان له ورثة موالي أو غير ذلك من الأوراث:

قلت له: فإن كان له ورثة موالي، أو غير ذلك من الأوراث، فقال لرجل من الناس: هذا أخي- وهو صحيح أو مريض؛ هل يثبت نسبه؟ قال: نعم، إذا كان الذي زعم أنه أبوه- مقرا له بذلك، فإن نسبه ثابت منه، وذلك أن الأب هو الذي استلحقه- وهو مقر له بأنه ابنه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال من أنه لا يثبت نسبه إلا بإقرار الأب له بذلك وهو مما لا اختلاف فيه، إذ لا يجوز للرجل أن يلحق بغيره ولدا هو له منكر باتفاق، وقد مضى بيان ذلك في المسألة التي قبلها، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك ابنة وأختا وادعت الابنة أنه هلك مسلما وهي مسلمة:

ومن نوازل أصبغ قيل لأصبغ: رجل هلك وترك ابنة وأختا وادعت الابنة أنه هلك مسلما وهي مسلمة، وادعت الأخت أنه هلك نصرانيا- والأخت نصرانية، ولا يعرف في أصل على كفر؛ فقال أصبغ: إن هاتين كلتاهما إنما تدعيان النصف، ولأن الأخت لا ترث إلا النصف، والنصف الآخر على أي ذلك كان للميت، فهو لغيرهما؛ فهما يدعيان في النصف فأراه بينهما بعد أن يتحالفا، ويكون النصف الآخر لجميع المسلمين.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن كانت الأخت لا تدعي إلا النصف، وأما إن ادعت الكل- وقالت من ديننا أن ترث الأخت الجميع وصدقها في ذلك أهل دينها من الأساقفة، فيكون ذلك حكم المال يدعي أحد الرجلين أو المرأتين نصفه، والثاني جميعه، فيكون لمدعي النصف الربع، ولمدعي الكل الثلاثة الأرباع- على المشهور من مذهب ابن القاسم، ولمدعي النصف الثلث، ولمدعي الكل الثلثان- على المشهور من مذهب مالك، إذ قد روي عن كل واحد منها مثل قول الآخر، والله الموفق.

.مسألة هلك وترك ابنا وابنة فادعى الولد أنه هلك مسلما:

قلت: فلو هلك وترك ابنا وابنة، فادعى الولد أنه هلك مسلما، وادعت البنت أنه هلك نصرانيا، فقال: يكون لابنه الربع لأنها تدعي النصف وقد أسلمت النصف الآخر ولم تدع فيه، ويكون للابن ثلاثة أرباع، لأنه يدعي المال كله.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة على قياس قوله في المسألة التي قبلها من أن الابنة تدعي نصف المال وعلى المشهور من مذهب ابن القاسم؛ وعلى المشهور من مذهب مالك، يكون المال بينهما أثلاثا، للابن الثلثان، وللابنة الثلث، وذلك بعد أيمانهما جميعا في هذه المسألة، وفي التي قبلها؛ فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان للحالف منهما ما ادعاه، فإن نكلا جميعا، كان ذلك كحلفهما جميعا؛ ولو ادعت الابنة الكل على ما ذكرناه في المسألة التي قبلها، لكان المال بينهما بشطرين بعد أيمانهما قولا واحدا، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك ولدين قد بلغا وابنا صغيرا فقال أحدهما هلك أبونا مسلما:

قلت: فلو هلك وترك ولدين قد بلغا وابنا صغيرا، فقال أحدهما: هلك أبونا مسلما، وقال الآخر: نصرانيا؛ فقال أصبغ: كلاهما مقر للصغير بالنصف، فالنصف له كاملا ويجيز على الإسلام، ولهما جميعا النصف، قال سحنون: فإن مات الصبي قبل البلوغ، حلفا جميعا واقتسما ميراثه؛ وإن مات أحدهما قبل بلوغ الصبي، فإن كان للميت ورثة معروفون، كانوا أحق بميراثه، وإن لم يكن له ورثة أخر، فإذا كبر الصبي يوما ما فادعاه كان له.
قال محمد بن رشد: قول سحنون: فإن مات الصبي قبل البلوغ حلفا جميعا واقتسما ميراثه، مفسر لقول أصبغ في أن ميراث الصبي إذا مات قبل البلوغ، يقتسم أخواه المسلم والنصراني ميراثه بينهما بنصفين، ولا اختلاف بينهما في هذا؛ لأن كل واحد منهما يدعي أنه على دينه، فهو أولى بميراثه، ومخالف له في وجهين، أحدهما ما يكون له معهما من ميراث أبيهم، والثاني هل يجبر على الإسلام بعد بلوغه، أو يكون له أن يختار أي دين شاء، فلسحنون في كتاب ابنه أنهما يحلفان جميعا، ويوقف للصغير ثلث ما بيد كل واحد منهما حتى يكبر فيدعي مثل دعوى أحدهما، فيأخذ ما وقف له من سهمه، وهو ثلثه، يريد ويأخذ مما بيده تمام نصفه، لاستوائهما جميعا في الدعوى بعد يمينه، ويرد إلى الآخر ما وقف له من سهمه؛ فإن ادعى إذا كبر أن أباه كان على دين ثالث، أخذ ما وقف له من نصيب كل واحد منهما بعد يمينه أيضا، ووجه هذا القول، أنه لما كان الصغير لا يعرب عن نفسه، وقفنا له ثلث المال، لاحتمال أن يدعي جميعه بدين ثالث يدعي أنه كان عليه أبوه، ولأخويه الكبيرين ثلثان، ثلث لكل واحد منهما لتساويهما في الدعوى، ثم يقول كل واحد منهما لصاحبه: تخل لنا عن ثلثك، إذ لا حق لك في الميراث إذ مات أبونا على خلاف دينك، وليس أحدهما بالسعد من صاحبه في هذه الدعوى، فيبقى ثلث كل واحد منهما بيده؛ وقد بين أصبغ وجه قوله في الرواية بما لا مزيد عليه، فإن مات الصغير قبل البلوغ، حلفا جميعا واقتسما الثلث بينهما بنصفين على ما قاله سحنون في الرواية، إذ لا يختلفان في هذا، وقول سحنون في الرواية إذا مات أحد الكبيرين، أنه إن كان له ورثة كانوا أحق بميراثه، وإن لم يكن له ورثة، وقف ميراثه إلى أن يكبر؛ فإن ادعاه، كان له؛ ليريد أنه إن اختار دين الميت منهما، كان له ميراثه الذي وقف له- استحسان على غير حقيقة القياس، وكان القياس أن يوقف له قدر حظه من الميراث إذا كان له ورثة، كما يوقف له جميعه إذا لم يكن له ورثة، والذي يأتي في هذا على مذهب أصبغ الذي يرى أن يجبر على الإسلام، ألا يوقف له الميراث؛ ويتخرج الحكم له به على قولين، أحدهما: أنه يحكم له بحكم الإسلام من أجل أنه يجبر عليه، ولا يترك على النصرانية، فيرث المسلم ولا يرث النصراني، والثاني: أنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يبلغ ويجيب إليه، أو يجبر عليه، فلا يرث واحد منهما، إذ لا يدري هل هو مسلم أو نصراني من أجل أنه تبع لأبيه في الدين، ولا يعرف دين أبيه، وبالله التوفيق.

.مسألة توفي وترك أخوين وترك امرأته حبلى:

قيل لأصبغ: رجل توفي وترك أخوين، وترك امرأته حبلى، فولدت غلاما؛ فقال أحد الأخوين: ولدته ميتا ولم يستهل؛ وقال الآخر: بل ولدته حيا وقد استهل صارخا، وقالت المرأة: ولدته حيا واستهل؛ فقال: ابدأ بالإقرار فأعطهم عليه على أنه استهل، فللمرأة إذا استهل ثمن الميراث وهو ثلاثة من أربعة وعشرين، ويبقى من المال أحد وعشرون قيراطا لابنها، فلها من ميراث ابنها ثلثه، وهو سبعة من أحد وعشرين، فصار لها عشرة، ويبقى من المال أربعة عشر بين الأخوين لكل واحد منهما سبعة، سبعة، وعلى الإنكار، لها ربع ميراث زوجها إذا خرج الصبي ميتا، وهو ستة من أربعة وعشرين، ويبقى من المال ثمانية عشر بين الأخوين، لكل واحد منهما تسعة، تسعة، على الإنكار؛ فقد أخذ الأخ الذي أنكر سبعة في الإقرار، ويبقى له سهمان يرجع لهما على المرأة، فيصير له تسعة، ويبقى للمرأة ثمانية؛ لأنه مرة يصير لها ربع الميراث- وهو ستة من أربعة وعشرين، ومرة يصير لها ثمن من أربعة وعشرين، وهو ثلثه، وثلث أحد وعشرين، وهو سبعة وذلك عشرة، فلها نصف ما بين هذا وهذا؛ فصار لها ثمانية، وللأخ الذي أقر سبعة، فاستقامت على أربعة وعشرين.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن الزوجة التي ادعت أن ابنها استهل تقول: لي ميراثي في زوجي الثمن ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين، وميراثي في ابني الذي استهل وهو ثلث ما بقي بعد ثمني وذلك سبعة أسهم، فجميع مالي عشرة أسهم، وليس لواحد منكما إلا ميراثه في ابن أخيه وهو ولدي الذي استهل- وذلك سبعة أسهم، سبعة أسهم- لكل واحد منكما، فيقول المنكر منهما لاستهلال الولد بل ليس لك إلا الربع وهو ستة أسهم من أربعة وعشرين لي نصف الباقي-
وهو تسعة أسهم، فيأخذ المنكر لاستهلال الابن من الأخوين تسعة أسهم، ويقال للمقر منهما باستهلال الابن ليس لك إلا سبعة أسهم ميراثك في الابن، فادفع السهمين إلى الزوجة إلى الستة الأسهم التي لها في ميراث زوجها، إذا لم يستهل الولد يكون بيدها ثمانية أسهم؛ ولو أقر الأخ الآخر لدفع إليها أيضا سهمين، فاستوفت بهما جميع حقها الواجب لها على استهلال الولد- وذلك عشرة أسهم؛ وأقل ما تنقسم منه هذه الفريضة أربعة وعشرون كما ذكر، لأنه يحتاج فيها إلى إقامة ثلاث فرائض: فريضة على إنكار الاستهلال من أربعة، من أجل أن للزوجة الربع- إذا لم يستهل الولد، وفريضة على الإقرار بالاستهلال من ثمانية من أجل أن للزوجة الثمن- إذا استهل المولود، وفريضة ميراث الولد من ثلاثة، من أجل أن للأم الثلث، فيستغنى عن الأربعة بالثمانية، ويضرب ثلاثة في ثمانية يكون أربعة وعشرين، منقسمة على ما ذكرناه، وبالله التوفيق.

.مسألة يقر في صحته بأخ ثم يقر بعد زمان بولاء لرجل:

قيل لأصبغ: ما تقول في الرجل يقر في صحته بأخ ثم يقر بعد زمان بولاء لرجل ثم يموت؛ وكيف إن كان أقر بالولاء قبل إقراره بالأخ، وكيف إن كان أقر بالأخ أولا ثم ثبت الولاء بعد ذلك ببينة؛ قال: أرى النسب أولى على كل حال، كان هو الأول أو الثاني.
قال محمد بن رشد: قوله أرى النسب أولى على كل حال، لا يعود على قوله في السؤال: وكيف إن أقر بالأخ أولا ثم ثبت الولاء بعد ذلك ببينة؟ إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز الإقرار بوارث إلا إذا لم يكن للميت وارث معروف بنسب وولاء، وإنما يعود على الإقرار بالولاء وبالنسب، فرأى النسب أولى على كل حال، تقدم أو تأخر، ومعنى ذلك عندي إذا قال: فلان مولاي ولم يقل أعتقني، لأنه إذا قال: أعتقني ثبت له بذلك الولاء والميراث، فوجب أن يكون أولى من الإقرار بالنسب؛ وإذا لم يقل أعتقني، فلا يكون له بإقراره بأنه مولاه إلا الميراث- قاله سحنون؛ فهاهنا يصح أن يكون الإقرار بالنسب أولى من الإقرار بالولاء تقدم أو تأخر؛ وكذلك على قياس هذا لو قال: فلان ابن عمي، وفلان أخي؛ لوجب أن يكون الأخ أولى بالميراث تقدم أو تأخر، لأن الإقرار بهذا وهو بمنزلة إقامة البينة على هذا وهذا؛ وقرر ابن الماجشون الإقرار بالولاء أولى من الإقرار بالنسب، من أجل أن الولاء ثبت بالإقرار، كما يثبت به نسب الولد الملحق، ولم يشترط ابن الماجشون أن يقول في إقراره به، أعتقني، فظاهر قوله أن الولاء يثبت بالإقرار- قال أعتقني أو لم يقل، وسنزيد هذه المسألة بيانا في نوازل سحنون من كتاب الولاء إذا وصلنا إليها إن شاء الله، وبه التوفيق.
تم كتاب الاستلحاق بحمد الله وحسن عونه، والصلاة الكاملة على سيدنا مولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

.كتاب الولاة:

.المولود يتنفس ولم يستهل صارخا وهلك وهلكت أمه قبله فهل يرثها:

كتاب الولاة من سماع ابن القاسم من كتاب مرض وله أم ولد وسئل مالك عن المولود يمكث يوما وليلة وهو حي فيما يرون يتنفس- وأكثر من ذلك- ولم يستهل صارخا، وإن عطس، وإن رضع، وهلك وهلكت أمه قبله، فهل يرثها؟ وإن لم يستهل أو لم يتحرك، فهل يرث؟ قال مالك: لا يرث ولا يورث، ولا يصلى عليه، حتى يستهل صارخا؛ قال سحنون: الرضاع يدل على حياة الصبي، ولا يمكن أن يرضع إلا بعد الاستهلال؛ قلت: فلو بال؟ قال: قد يبول الميت يخرج منه، وكذلك تحريكه لا يعد حياة، ألا ترى أن تحريكه في بطن أمه لا يعد شيئا.
قال محمد بن رشد: اتفق أهل العلم على أن المولود لا يرث ولا يورث ولا يصلى عليه، إلا أن يولد حيا، وعلامة حياته الاستهلال بالصراخ؛ بدليل الحديث: «ما من مولود إلا طعن الشيطان في خاصرته، ألا تسمعون إلى صراخه، إلا عيسى ابن مريم، فإنه لما جاء طعن في الحجاب» أو كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإذا استهل المولود صارخا علمت حياته، وإذا لم يستهل صارخا لم يعتبر بحركته، لأن المقتول من بني آدم يتحرك بعد القتل، وقد كان يتحرك في بطن أمه، فلم يعتد بتلك الحركة؛ وكذلك بوله إن بال لا يعتد به، ولا يعد ذلك حياة له، لأن الميت قد يبول، فليس بوله على عادة الأحياء، وإنما يخرج البول منه باسترخاء المواسك بالموت، وأما إن رضع وعطس فقول سحنون: إن الرضاع يدل على حياته، ولا يمكن أن يرضع إلا بعد أن يستهل صحيح، وعبد العزيز بن أبي سلمة يقول ذلك في العطاس، فقيل: إن سحنون فرق بين الرضاع والعطاس، لاحتمال أن يكون ما سمع من عطاسه ريح خرجت منه؛ والصحيح ألا فرق بينهما، إذ لا يشبه العطاس خروج الريح منه، وكذلك التنفس أيضا يدل على الحياة، ولا يمكن أن يكون إلا بعد الاستهلال، بدليل الحديث الذي ذكرناه، فوجب ألا يحمل قول مالك في هذه الرواية على ظاهره من أنه لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث إذا كان لم يستهل، وإن تنفس وعطس ورضع، لأن نفسه وعطاسه ورضاعه دون أن يستهل خرق للعادة التي أجراها الله بما أخبر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خرق هذه العادة في عيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وإنما المعنى في ذلك أنه لما سئل عن المولود يولد فيمكث يوما وليلة وأكثر من ذلك يتنفس ويعطس ويرضع ولم يستهل؛ رأى ذلك من المحال الممتنع فقال إنكارا على السائل وردا لقوله: لا يرث ولا يورث، ولا يصلى عليه حتى يستهل؛ بمعنى أن ذلك لا يصح أن يكون إلا بعد الاستهلال، وقد قال بعض العلماء على طريق الإنكار لهذا السؤال الذي إنما يقصد به إلى تلبيس وإبطال الحديث، لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل وإن طعن بالرمح وضرب بالسيف وقاد الجيوش، فإذا شهد من تقبل شهادته بأن المولود أقام يوما وليلة وأكثر من ذلك يتنفس ويعطس، ويرضع، ولم يستهل، أجيزت شهادتهم وحمل أمرهم على أنهم لم يسمعوا استهلاله بالصراخ الذي هو علامة حياته، وجاءت السنة بأنه لا يصلى عليه حتى يستهل صارخا بعد أن يولد؛ فقد يكون خفيفا لا يسمعه من لَهَا واشتغل، وقد قال عبد الوهاب في المعونة: وعلامة الحياة هي الصياح أو ما يقوم مقامه من طول المكث إذا طال به مدة يعلم أنه لو لم يكن حيا لم يبق إليها، ومعنى قوله: إنه إذا شهد على ذلك كان كالشهادة على استهلاله، للعلم بأن ذلك لا يكون منه إلا بعد أن يستهل، قال: ولا يصلى عليه إلا أن يستهل صارخا، تحرك أو لم يتحرك، خلافا لأبي حنيفة والشافعي؛ لأن الصلاة إنما هي على من عرفت حياته قبل موته، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل من مصر يغيب إلى المدينة فيموت بها:

ومن سماع أشهب من كتاب الأقضية وسئل مالك عن رجل من أهل مصر يغيب إلى المدينة فيموت بها، أترى أن يقسم ورثته بمصر ماله إذا علموا بموته، أم يؤخروا ذلك حتى يعلموا أتزوج في غيبته أم لا؟ فقال: إن شك في أمره لم يقسم ورثته ميراثه حتى يعلم ذلك، وإن استوقن ولم يشك فيه، قسم ميراثه بين ورثته.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إن شك في أمره بسبب أدخل عليهم الشك في ذلك، لم يقسم ميراثه حتى يبحث عن ذلك، ويوقف على الحقيقة فيه بالكتاب إلى ذلك البلد وهو محمول على أنه لم يتزوج فيه حتى يعلم أنه قد تزوج فيه فيؤخر قسم ميراثه حتى تحضر أو توكل، أو يقسم لها القاضي ويوقف لها حظها، وقد مضت هذه المسألة في سماع أشهب من كتاب العتق وتكررت ها هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول عند موته فلان مولاي ولا يقول أعتقني ولا ولد له:

ومن نوازل سحنون وسئل سحنون عن الذي يقول عند موته: فلان مولاي ولا يقول أعتقني ولا ولد له، فهذا يكون له الميراث ولا يكون له الولاء، إلا أن يقول أعتقني، قيل لسحنون: فلو كان في الصحة فقال: فلان مولاي لم يزل بذلك مقرا حتى مات ولا يذكر أنه أعتقه؛ فقال: إقراره في الصحة والمرض سواء، له الميراث ولا يكون له الولاء؛ قيل لسحنون فلو أن رجلا كان مقرا في حياته أن فلانا مولاه، فلما مرض قال: فلان ابن عمي لرجل آخر- ولا وارث له، أو قال: ابن عمي ولم يقل لأب وأم، ثم مات؟ قال: لا يكون له شيء ولا يرثه بالشك والميراث للمولى، لأنه قد انعقد له الولاء؛ قيل له: فإن قال: فلان مولاي في مرضه ثم قال بعد ذلك: فلان ابن عمي ولا وارث لي غيره- ثم مات، قال: يؤخذ بإقراره الأول ولا يكون للذي أقر به أنه ابن عمه شيء؛ قيل: فأقر بذلك في صحته ولا يعرف ذلك إلا بقوله، وهل يفترق إن كان إقراره بالولاء قبل إقراره بالأخ؟ قال: إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله، فالنسب أولى من الولاء؛ وإذا كانت البينة على الولاء وأقر بالنسب، كان الولاء أقرب من النسب.
قال محمد بن رشد: هذه مسائل ملتبسة غير بينة المعاني، فأنا أذكر أصلها الذي تبنى عليه وترد بالتأويل إليه، الأصل في ذلك عنده على مذهبه، أنه إذا أقر فقال: فلان مولاي أعتقني، ثبت له بذلك الولاء، وكان بمنزلة إذا قامت عليه البينة، يكون إقراره له بذلك أولى من الإقرار بالنسب تقدم أو تأخر، كان في الصحة أو المرض؛ وإن قال: فلان مولاي ولم يقل أعتقني، وجب له بذلك الميراث، ولم يجب له به الولاء؛ كان ذلك من إقراره أيضا في الصحة أو في المرض، فإن أقر مع هذا بنسب لرجل آخر، كان النسب أولى من الولاء- تقدم أو تأخر؛ كان في الصحة أو في المرض. فقوله: قيل لسحنون فلو أن رجلا كان مقرا في حياته أن فلانا مولاه، معناه أنه كان مقرا في حياته أن فلانا أعتقه؛ فلذلك قال: إنه أحق من الذي أقر له في مرضه، بأنه ابن عمه؛ وأن الميراث له؛ لأنه قد انعقد له الولاء. وقوله بعد ذلك: فإن قال: فلان مولاي في مرضه، ثم قال بعد ذلك: فلان ابن عمي لا وارث لي غيره، ثم مات؛ أنه يؤخذ بإقراره الأول، ولا يكون للذي أقر به أنه ابن عمه شيء، معناه أيضا أنه قال في مرضه: فلان مولاي أعتقني. فقوله: إنه يؤخذ بإقراره الأول، إنما قاله من أجل أنه قد انعقد له الولاء بقوله: أعتقني ليس من أجل أنه أقر بذلك أولا. وقوله: قيل له فأقر بذلك في صحته ولا يعرف ذلك إلا بقوله لم يقع له جواب، والجواب في ذلك على ما أصلناه من مذهبه وبيناه، أنه إن كان لم يقل أعتقني، فإقراره بالنسب أولى على كل حال- وإن كان إقراره بالولاء متقدما في صحته؛ وإن كان قال: أعتقني، فهو أولى من إقراره بالنسب- تقدم أو تأخر. وقوله لما سأله هل يفترق- إن كان إقراره بالولاء قبل إقراره بالأخ، أنه إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله، فالنسب أولى من الولاء؛ معناه إذا لم يقل أعتقني. وقوله: إنه إذا كانت البينة على الولاء وأقر بالنسب، كان الولاء أقرب من النسب- صحيح؛ وكذلك على ما أصلناه وبيناه من مذهبه: لو لم يكن على الولاء بينة، وقال في إقراره به: أعتقني؛ لكان الولاء أولى من النسب المقر به، فهذا بيان مذهب سحنون في هذه المسألة، وابن الماجشون يرى الإقرار بالولاء أولى من الإقرار بالنسب، من أجل أن الولاء يثبت بالإقرار، كما يثبت به نسب الولد المستلحق؛ ولم يشترط ابن الماجشون أن يقول في إقراره به: أعتقني، فظاهر قوله أن الولاء يثبت بالإقرار- وإن لم يقل أعتقني؛ وظاهر قول أصبغ في نوازله من كتاب الاستلحاق، أن الولاء لا يثبت بالإقرار، وإن قال: أعتقني، فرددناه هناك بالتأويل إلى مذهب سحنون ها هنا؛ وإن حملناه على ظاهره تحصل فيمن أقر بولاء لرجل وبنسب لآخر- ثلاثة أقوال، أحدها: أن النسب أولى من الولاء تقدم الإقرار به أو تأخر، كان في الصحة أو في المرض. والثاني: أن الإقرار بالولد أولى من النسب- تقدم الإقرار به أو تأخر، كان في الصحة أو في المرض. والثالث: أنه إن قال: أعتقني، كان أولى من النسب؛ وإن لم يقل أعتقني، كان النسب أولى منه- تقدم أو تأخر أيضا، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه:

قيل لسحنون: أرأيت العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه من العبد بإذن شريكه- والشريك لا مال له، أو له مال؛ فقال: أما من له المال، فإن العبد يعتق جميعه عليه، وإن لم يكن له مال، أعتق عليه نصيبه من العبد، ولم يعتق نصيب صاحبه؛ قلت: فإن مات العبد وترك مالا؟ قال: يرثه المتماسك بالرق دون صاحبه، فإن أعتق هذا العبد عبدا آخر بإذن هذا المتمسك بالرق، فمات هذا المعتق وترك مالا، قال: يرثه الرجلان جميعا الذي تمسك بالرق، ومولى العبد المعتق ولا مال له.
قال محمد بن رشد: قوله: إن ميراث ما أعتقه هذا العبد المعتق نصفه بإذن المتمسك بالرق بين الذي تمسك بالرق وبين مولى العبد المعتق لنصفه ولا ماله، هو قول ابن القاسم في سماع عيسى عنه، خلاف قوله في رواية يحيى عنه- حسبما وقع من الروايتين جميعا في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب العتق، وقد مضى القول على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة توفي وترك ابنا خنثى وابن ابن خنثى أيضا:

وسئل عمن توفي وترك ابنا خنثى، وابن ابن خنثى أيضا، قال: فللأول ثلاثة أرباع المال، أصلها من أربعة وعشرين، فيقال لابن الابن: إن كنت ذكرا كان لك الربع الباقي كله، فخذ نصفه- وهو ثلاثة أسهم، ثم يقال له: لو كنت أنثى كان لك السدس فخذ نصفه وهو سهمان فيصير له خمسة ويفضل سهم من أربعة وعشرين للعصبة.
قال محمد بن رشد: بنى سحنون جوابه هذا على مذهب ابن القاسم في التداعي فأخطأ في بنائه عليه، وتفسير ما ذهب إليه: أن الابن يدعي جميع المال، لأنه يقول بأنه ذكر، وأن ابن الابن أنثى، وابن ابن الابن يدعي نصف المال لأنه يقول بأنه ذكر- وأن الابن أنثى؛ فيقال لابن الابن قد أقررت للابن بالنصف، فادفعه إليه، والنصف الثاني يقسم بينكما بنصفين لتداعيكما فيه؛ فيحصل للابن ثلاثة أرباع المال، ولابن الابن الربع؛ ثم يقول العصبة لابن الابن إنما لك من هذا الربع السدس، لأنكما جميعا أنثيان فيقول: بل هو لي كله، لأني ذكر فيحصل التداعي بينها في نصف السدس فيقسم بينهما فيحصل للعصبة ربع السدس، وهو سهم من أربعة وعشرين كما قال؛ وموضع الخطأ في هذا البناء تقديره فيه: أن العصبة تقول لابن الابن إنما لك من هذه الربع السدس، لأنها لم تقر لابن الابن بالسدس من الربع الباقي بيده؛ وإنما أقرت له بالسدس من النصف تكملة الثلثين، على أنهما جميعا أنثيان، والسدس الذي أقرت له به قد أخذ منه الابن نصفه بدعواه أنه ذكر، وهذا بين؛ والصحيح في بناء المسألة على مذهب ابن القاسم في التداعي أن الابن يقول لابن الابن وللعصبة أنتما مقران لي بالنصف غير منازعين لي فيه، لأني إن كنت أنثى فلي النصف، كنت أنت ذكرا على ما تدعي أو أنثى على ما تدعيه العصبة، فأسلماه إلي، فيأخذ النصف ستة من اثني عشر، ثم يقول ابن الابن للعصبة أنتم مقرون لي من هذا النصف بالسدس تكملة الثلثين لأنكم تدعون أني أنثى فأسلموه لي، فيأخذ منه السدس سهمين، ويبقى بأيدي العصبة الثلث أربعة أسهم، ثم يرجع الابن فيقول لابن الابن هذا السدس الذي بيدك هو لي لأني ذكر، فيقول له بل هو لي، لأنك أنثى فيقسم بينهما، فيأخذ منه سهما ويبقى بيده سهم، ثم يرجع إلى العصبة فيقول لهم هذا الثلث الذي بأيديكم هو لي لأني ذكر، فيقول له العصبة بل هو لنا، لأنكما جميعا أنثيان، فيقسم بينهما فيأخذ منهم سهمين من الأربعة الأسهم فيكمل له ثلاثة أرباع المال، لأنه كان بيده النصف ستة أسهم، وأخذ من ابن الابن سهما واحدا، ومن العصبة سهمين فذلك تسعة أسهم من اثني عشر سهما، ثم يرجع ابن الابن على العصبة فيقول لهم هذان السهمان اللذان بأيديكما هما لي لأني ذكر، فتقول له العصبة بل هما لنا لأنكما جميعا أنثيان فيقسم بينه وبينهم بنصفين، فيأخذ منهم ابن الابن سهما واحدا، فيصير بيده سهمان وهو السدس، ويبقى بيد العصبة سهم واحد وهو نصف السدس، وكذلك يجب لهم نصف السدس والسدس لابن الابن، والثلاثة الأرباع للابن على ما رتبه أهل الفرائض في عمل الفريضة من إقامة أربع فرائض، فريضة على أنهما ذكران، وفريضة على أنهما أنثيان، وفريضة على أن الابن ذكر- وابن الابن أنثى، وفريضة على أن الابن أنثى وابن الابن ذكر، وضرب الفرائض بعضها في بعض إلا أن تتداخل وأضعافها أربع مرات، وقسمتها على الفرائض وأعطي كل واحد منهم ربع ما اجتمع له، لأن عملهم في مسائل الخنثى كلها إنما يخرج على مذهب ابن القاسم في التداعي؛ ويأتي في هذه على مذهب مالك في التداعي الذي يرى القسمة فيه على حساب عول الفرائض، أن يقسم المال بينهم أجزاء من أحد عشر، لأن الابن يدعي الكل، وابن الابن يدعي النصف، والعصبة تدعي الثلث؛ وعلى هذا القول قال ابن حبيب في ابن ذكر وابن خنثى: إن المال يقسم بينهما أسباعا، فلا يصح في المسألة إلا هذان القولان، أحدهما على مذهب مالك. والثاني على مذهب ابن القاسم وما سواهما خطأ، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بحرية كل جارية يشتريها إلا وطئها:

وقال: في رجل حلف بحرية كل جارية يشتريها إلا وطئها، فاشترى جارية من ذوات المحارم، وهو عالم أنها تحرم عليه أو جاهل، هل تعتق عليه في الأمرين جميعا؟ قال أصبغ: لا أرى عليه شيئا، ولا أرى مخرج يمينه في مثل هذا إلا فيمن يجوز له الوطء، فأما من لا يجوز وليس هذا الذي أراد، إلا أن يكون أغلق على نفسه بكل معنى، سحنون يقول إذا اشترى أما وابنتها صفقة واحدة- وقد حلف بهذه اليمين، فإنه إذا وطئ واحدة أعتقت الأخرى.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ في هذه المسألة صحيح على القول بمراعاة المقصد المظنون في الأيمان وحملها عليه، لا على ما تقتضيه الألفاظ وهو المشهور في المذهب، إلا أنه أصل مختلف فيه- أعني في المذهب؛ واختلف فيه قول ابن القاسم في المدونة من ذلك أنه قال فيمن حلف ألا يدخل على فلان بيتا فدخل عليه المسجد، أنه لا حنث عليه والمسجد بيت من البيوت، لأن الله عز وجل قد سمى المساجد بيوتا، فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وقال فيمن حلف ألا يأكل لحما. فأكل لحم الحوت، أو ألا يأكل بيضا فأكل بيض السمك، أنه حانث، إلا أن تكون له نية- وإن كان لحم الحوت وبيض السمك ليس بلحم ولا بيض عند الناس في عرف كلامهم، واختلف في ذلك أيضا قول أصبغ، لأن قوله في هذه المسألة خلاف ما حكى عنه ابن حبيب من أنه من حلف أن يطأ امرأته الليلة فألفاها حائضا، ولم يعلم حين حلف أنها حائض؛ أنه حانث، ولا يبرأ إن وطئها، لأنه وطء فاسد، وهذا الاختلاف داخل في مسألة سحنون، فتفرقته بين المسألتين قول ثالث في المسألة؛ ووجهه أنه قد كان له أن يطأ التي لم يطأ منهما لو شاء، فصار قد قصد إلى ترك وطئها بوطء الأخرى، فهي استحسان، خارجة عن القياس على كل واحد من الأصلين، وبالله التوفيق.